مقابلة مع جريدة الديار حول تداعيات ومخاطر التقارب السعودي ـ الاسرائيلي
2017-12-17

«الديار» حاورت الشيخ ماهر حمود حول تداعيات ومخاطر التقارب السعودي ـ الاسرائيلي، وكيفية التعاطي، وفق الشريعة الاسلامية، مع السياسات السعودية التطبيعية الآخذة الى الانكشاف اكثر، بالرغم من تصاعد العدوان الاسرائيلي ـ الاميركي على الشعب الفلسطيني ومقدساته التي هي مقدسات للمسلمين والمسيحيين في العالم.
حاوره : محمود زيات
- ما هي تداعيات ومخاطر التقارب بين السعودية التي تمثل اكبر الدول الاسلامية، والتي تستند الى الشريعة الاسلامية السنية الوهابية، واسرائيل من خلال تطبيع العلاقة، سيما وان اسرائيل تحتل فلسطين وتسيطر على المسجد الاقصى ومسجد قبة الصخرة وكنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم؟.
- التقارب السعودي الاسرائيلي خطير جدا، وخطورته تكمن في انه قديم جدا ويعود الى اول نشوء المملكة السعودية، ولكنه الان يظهر وبقوة، نردد مع كثير من المؤرخين، ان اسرائيل انشئت بعد مباركة السعودية التي اعطيت دورا في المنطقة لم تكن مؤهلة له، فالمساحة التي استولت عليها الحركة الوهابية، بالتعاون مع الدولة السعودية ايام محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، مرورا بالدور السعودي الثاني ايام عبد العزيز، كان يمكن ان يأخذ هذا الدور امام اليمن، او اي جماعة اخرى،، لكنه اعطي له لانه وافق على قيام دولة اسرائيلية، وهذا موثق بصورة واضحة، حيث وافق على ان تعطى فلسطين لـ «اليهود المساكين» على حد وصفه،وذلك في واقعة حصلت في 14 شباط 1945، قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقبل انشاء الكيان الاسرائيلي، وخلال لقاء عبد العزيز مع الرئيس الاميركي روزفلت، على متن باخرة «كوينسي» في البحر المتوسط، الخطورة ان هذه العلاقة جذرية وتاريخية، فاميركا، وبعد ان ورثت الامبراطورية البريطانية، اصبح بيدها امن المملكة السعودية واقتصادها، وبالتالي، حتى لو ارادت السعودية، يومها الخروج من الفلك الاميركي، فانها لا تستطيع، والدليل اغتيال الملك فيصل الذي تجرأ على خرق الخضوع للاميركي عام 1973، وكان اغتياله بعد اقل من عامين، هذه الواقعة قد توحي بان تقاربهم مع اسرائيل جاء رغما عنهم، وهذا ينافي الحقيقة، وقد يكون بعض الملوك والامراء لديهم الوطنية، وهنا نذكر الامير طلال المتعاطف مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والمتأثر بالقومية العربية، الذي منع من ان يكون داخل السعودية، فالسياسة السعودية كانت، كما اليوم، سيئة جدا تجاه اي صوت معارض، علما ان عددا من رجال الدين والعلماء السعوديين، هم اليوم داخل السجون لانهم ابدوا امتعاضا او اعتراضا على بعض السياسات المتعلقة بالتقارب بين السعودية واسرائيل، وقد طلب من هؤلاء المجاهرة بالسياسات السعودية.
في زمن عبد الناصر، كان السعوديون يصابون بالخجل من المجاهرة في حقيقة سياساتهم، اما بعد هزيمة الفكر القومي والفكر الاسلامي الثوري، اصبح لديهم الجرأة في المضي بسياساتهم، وكأنهم يقولون لاصحاب الفكرين القومي والاسلامي الثوري «لقد فشلتم، فلنُظهِر نحن ما عندنا»،فالخطورة في ما نشهده اليوم، من اظهار وقح للعلاقة السعودية ـ الاسرائيلية، منذ عامين فقط بدأت هذه المجاهرة بالعلاقة مع الاسرائيليين، وعلى مستويات عدة، من خلال ملوك وامراء واعلاميين وكتبة يعملون على المجاهرة بالتطبيع، وهو ما كان يحيطون به بالسرية المطلقة، ما يعني ان هنالك ما يُخطط، واتى ذلك على انقاض سبع سنوات من الحروب والدمار، وكانوا يتوقعون شرق اوسط جديد، من دون المقاومة في فلسطين ولبنان، ومن دون الرئيس السوري بشار الاسد، وبعراق اميركي وبيمن مدمر يسمونها «الحديقة الخلفية»، لكن مشروعهم فشل لكن ليس بصورة نهائية، طالما ان التقارير تتحدث عن وجود لبقايا تنظيم «داعش» الارهابي في سوريا، تتلقى دعما من اميركا التي لم يثبت انها قالت «داعش»، وهذا الامر لا يُخفى على المراقبين لمسار الاحداث، وبخاصة في سوريا والعراق.
- هل يجوز من الناحية الشرعية، ووفق الدين الاسلامي، ان تقيم السعودية علاقة تطبيع مع العدو الاسرائيلي الذي شرد الشعب الفلسطيني ( 90 بالمئة منه من المسلمين و10 بالمئة من المسيحيين)، من فلسطين واغتصب ارضها؟.
- لم يسبق للسعودية ان سألت ما هو رأي الدين الاسلامي في القضايا السياسية، في العام 1949، ومع توقيع ميثاق الامم المتحدة، رفضت السعودية الميثاق لانه نص على محاربة الرق والتعامل بالعبيد، وهذا ما يدعو اليه الاسلام، منع الرق هو مقصد من مقاصد الاسلام، والسعودية تريد دفع الجوانب الاسلامية الى الخلف من خلال الفكر الوهابي المحدود، الذي لا يمثل الشريعة الاسلامية قطعا، بل هو معاكس له ولا يقيم وزنا للمذاهب السنية الاخرى، ومنها الحنفي والشافعي، بل يحتكر التمثيل المذهبي السني بطريقة مشوَّهة، ويسعون الى تحقيق سياساتهم التطبيعية على انقاض عالم عربي مدمر وعاجز ومفكك، فمصر مرتبطة بالمساعدات الاميركية وسوريا مربكة باعادة الاعمار، بالرغم من انتصارات المقاومة في لبنان وفلسطين، وفي المعارك ضد التنظيمات الارهابية في سوريا ولبنان، لكنهم لا يرون الانتصارات بل ينظرون الى المشهد العام، وبقناعتهم ان محور المقاومة عاجز عن فرض سيطرته في ساحات الصراع، فوجدوا في ذلك فرصة تاريخية لتوثيق مشروعهم باقامة علاقات مع الكيان الاسرائيلي، والهبة التي حصلت حتى الان، على خط الدفاع عن القدس، قبل ان نسميها «انتفاضة»، ومنذ القرار الاحمق للرئيس الاميركي، ستجعلهم يتراجعون، وان اطل «القزم السياسي» السعودي وزير الخارجية الجبير ليقول ان الادارة الاميركي ما تزال هي الراعي النزيه لعملية السلام.
بالتأكيد، السعودية لا تتبع الدين الاسلامي، وفكرة الحركات الاسلامية التي لم تصبح واقعا، تقوم على اعادة ربط الحياة السياسية والاجتماعية بالقرار الاسلامي، المسيحية تاريخيا اتبعت فصل الدين عن السياسة، اما في الاسلام فهو حاكم على السياسة وليس تابعا لها، وان كان هذا لا يطبق الا في مراحل معينة ومحدودة، يمكن القول ان السعودية طبقت الفصل بين الدين والسياسة، ولكن بـ «تزوير شرعي»، لمن يقول للناس « انا اعمل من اجل تحسين شعائر الحج لاوتطبيق الحرام على المرأة في مجالات عديدة واقوم بتأمين كل ما له علاقة بالعبادة والصلاة، ولكن في السياسة فان ولي الامر هو الاعلم بها»وهذا ما قاله رجال دين سعوديون، وبوقاحة، وفق هذه المعادلة، فان كل ما يتعلق بفلسطين ومقدساتها وارضها وقضيتها والصراع مع اسرائيل، يعني ولي الامر فقط، هو يحدد متى يعلن «الجهاد» من اجل فلسطين، وهو يحدد متى لا يُعلن، فعطلوا الجانب الاسلامي، بعد ان جعلوا الملك وكأنه هو الموحى اليه من السماء.
في بعض الوقائع التاريخية، الملك فيصل الذي يُعتبر الافضل بين ملوك السعودية، ووفق الوثائق التي تحدثت عنها جهات موثوقة، انه ارسل الى الملك الاردني حسين عام 1970، وقبل ايام من احداث ما عرف بـ «ايلول الاسود» بين النظام الاردني والفصائل الفلسطينية، يطلب «ازاحة المقاومة الفلسطينية وسحقها، لانها تابعة للاتحاد السوفياتي، ويعملون ضد اصدقائنا الاميركيين»، وقبل الاجتياح الاسرائيلي للبنان في حزيران العام 1982، ابلغت السعودية الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بحصول العدوان على لبنان، بدوره ابلغ عرفات القيادات اللبنانية والفلسطينية ان المنطقة ستشهد تغيرا في خارطة الشرق الاوسط، وكانت السعودية حينها تسعى الى شطب سلاح المقاومة الفلسطينية وازالته من المعادلة في المنطقة، وفي الدور السعودي ضد لبنان، كان امين عام «حزب الله» سماحة السيد حسن نصرالله اخبرني بمعلومات مؤكدة تتحدث عن ان السعودية ابدت استعدادها لدفع الثمن المطلوب لاسرائيل، لمحو «حزب الله» وحركة «حماس» عن الخارطة، وهذه الوقائع عن السياسات السعودية المعادية تشكل اخطر افدح من بعض اشكال التطبيع التي ما تزال «خجولة».
- دينيا، ما هي العلاقة وما الروابط التي تجمع بين الكعبة والمسجد الاقصى في فلسطين ارض الاسراء والمعراج؟
- وفق عقيدة المسلمين وتفسيرهم للاسراء والمعراج، فان رابطا قويا بين الرمزين، فهناك بعد عقيدي للكعبة الشريفة والمسجد الاقصى، لا يمكن التفريط به، وهو من اسس الفكر الاسلامي، ويكفي ان الرابط بين الرمزين الدينيين اكد عليه القرآن الكريم.
- ما هو الموقف الشرعي من السعودية، والعدو يسعى الى تكريس القدس كـ «عاصمة» ابدية لكيانه، رئيس وزراء العدو يعلن ان اسرائيل دولة يهوية؟.
- الموقف الشرعي من سيأخذه ؟، وهذا يجب ان يكون من الطائفة السنية في لبنان والمنطقة العربية، وان كنت افضل القول الامة الاسلامية بدل الطائفة السنية، لان السنة هم وعاء الجميع، الامة معطَّلة، والطائفة السنية معطلة ايضا، والازهر لا يستطيع ان يلعب دوره السليم والصحيح، ولا وجود لدولة سنية حقيقية، لا مصر ولا السعودية، وليس هناك علماء ورجال دين قادرين على اتخاذ الموقف الشرعي من السعودية، وحركة «الاخوان المسلمين» التي طرحت نفسها بديلا اسلاميا، للاسف انخرطت في المشروع نفسه، واصبحت على علاقة وثيقة بالاميركيين، وربما اكثر من الاميركيين، بدليل ان ( الرئيس المصري المخلوع) محمد مرسي وجه رسالة الى رئيس الكيان الاسرائيلي شيمون بيريز، شكلت فضيحة الفضائح.
- هل يحق لولي العهد السعودي اعلان بداية تحالف مع الكيان الاسرائيلي، خاصة وان في السعودية مكة المكرمة والمدينة المنورة.واسرائيل تستولي على مقدسات المسلمين؟.
- كل ما يجري على خط التقارب السعودي ـ الاسرائيلي حرام، وفق الشريعة الاسلامية، العلاقة مع الاسرائيليين حرام والتطبيع ايضا، ولا يحق للسعودية ان تقتل شعب اليمن، وكل ما تقوم به اجرام، وكأن مشهد ما يجري اليوم، كُتِبَ في احاديث الرسول محمد، بان الامة تصل الى درجة ترتدُّ فيها عن الاسلام، وهذا ما يحصل للاسف، ولو استثنينا المقاومة في لبنان وفلسطين وبعض العلماء ورجال الدين القلائل وبعض العرب والمسلمين، فان لا اسلام في الامة، بل هي مرتدة عن دورها في الدفاع عن المقدسات ودورها الدعوي والتبشيري والتوعوي.
- كيف يرى الشيخ ماهر حمود، ومن موقعه كأحد علماء السنة الكبار في لبنان، السبل لمواجهة السياسة السعودية الاسرائيلية السائرة باتجاه التطبيع والعلاقة مع الاسرائيليين؟.
- في الفتن، على عالم الدين ان يُظهر علمه امام الانحرافات المذهبية وحالات الانخراط في الفتن التي عصفت في المنطقة، اليوم هناك صعوبة ان يجد العلماء السنة الاحرار مكانا في العالم يحتضنهم في اعلان الموقف الصحيح من كل ما تقوم به السعودية، الا بيروت، وربما بيروت اليوم قد نجد صعوبة، مراعاة للحساسية، حيث يراعي «حزب الله» الوضع الداخلي اللبناني تحت عنوان الحفاظ على العيش المشترك، وربما يضطر هؤلاء للبحث عن ساحة اوروبية، وهو امر لم يعد سهلا، كيف سيصدر موقف من علماء السنة ضد السعودية؟، انا لا ارى الامر سهلا .. الامر وفق ما جاء في القرآن الكريم « ليس لها من دون الله كاشفة»، ربنا قادر على كل شيء، ورأينا مؤشرات ظهرت على القدرة الربانية، حيث فشل المخطط السعودي الذي حمله السبهان للبنان وانقلب عليهم، ونحن نرى نتائج مواجهة قرار رترامب حتى الآن ممتازة، لقد تحرك العالم الاسلامي، ووجدنا جموعا تخرج الى الشوارع على امتداد الوضع العربي والاسلامي والدولي، وما نؤاهن عليه المواقف في فلسطين ولبنان وفي دول اقليمية واوروبية، اضافة الى الفاتيكان، فمؤامرة ترامب اعطت حتى الان عكس نتائجها المتوقعة، وهذا شيء رباني.. ليس مخططا له.