بسم الله الرحمن الرحيم

آية صوفيا مسجدا!

بسم الله الرحمن الرحيم
آية صوفيا مسجدا!
الشيخ ماهر حمود
ضجيج في غير محله، أوشك أن يكون زوبعة في فنجان، لماذا هذا الضجيج سواءً كان مؤيدا مرحبا وسواء كان معارضا مدينا، ولا شك أن الأمر يتخذ أبعادا مختلفة بحسب الزاوية التي ننظر إليها إلى هذا الموضوع، وأظن أن الاختصار لا يجدي، فلا بد من تفصيل.
أولا: لا ينبغي لأحد أن يعترض من حيث المبدأ على إعادة افتتاح "آيا صوفيا" كمسجد، فهذا من حق السلطات التركية كائنا ما كان موقفنا منها، بل المنطق يقول أننا ينبغي أن ندين مصطفى كمال أتاتورك عندما حولها إلى متحف، وإن الضجيج في هذا الأمر نابع من ارتباط هذا الأمر بقضيتين هما في غاية الأهمية:
الأمر الأول: الحوار الإسلامي المسيحي والذي يؤثر بالتأكيد إيجابيا وسلبيا على حياة كثير من المسلمين والمسيحيين على حد سواء.
الأمر الثاني: هو ارتباط هذا الأمر بحقوق الإنسان وحرية المعتقد، وهنا ينبغي التفصيل.
أولا: أما بشأن الحوار الإسلامي المسيحي، والذي قد يكون من أهم المواضيع وأكثرها حساسية، فلا ينبغي اعتبار ذلك، أي إعادة تحويل "آيا صوفيا" إلى مسجدأمرا يناقض العيش الإسلامي المسيحي، خاصة وأنه ليس في تركيا اليوم مسيحيون، وان السياح المسيحيين لن يقصدوه من أجل الصلاة، بل من أجل الاطلاع على التاريخ والآثار، وإن كان هنالك من ضجة فهل يستطيع المسلمون المطالبة بمساجد الأندلس الرائعة الجمال التي حول بعضها إلى كنائس وبطريقة استفزازية إلى حد كبير، صحيح أن العالم المسيحي، وهو ليس مسيحيا بالمعنى السلوكي الكامل، بل هو مسيحي بمعنى الانتماء العام، نعم هذا العالم المسيحي يبدو أكثر تسامحا من عالم المسلمين الذين هم بدورهم لا يطبقون الإسلام كما ينبغي، إنما في المحصلة عالم المسيحيين يبدو أكثر تسامحا من عالم المسلمين وذلك لاعتبارات عملية وتطور ملحوظ للقوانين المدنية وليس من باب الالتزام المسيحي المحض، ولكن المحصلة أننا في عالم مسيحي متطور مدني بشكل عام وأكثر رحابة وعدالة من عالم المسلمين، و بغض النظر عن التفاصيل لا نرى أن إعادة تحويل "آيا صوفيا إلى مسجد يؤثر على هذه الصورة العامة لعلاقة العالمين الإسلامي والمسيحي.
ثانيا: حقوق الإنسان، تحدث البعض على أن إعادة افتتاح "آيا صوفيا" كمسجد يناقض شرعة حقوق الإنسان وحرية التدين وحقوق الغير وما إلى ذلك، وكأن شرعة حقوق الإنسان الموقعة عام 49 تطبق فعلا بين الشعوب، فيما أن العالم يضج، ومنذ واحد وسبعين عاما، أي بعد توقيع وثيقة حقوق الإنسان المقدرة عاليا والمكملة برأينا في كثير من الأبعاد للشريعة الإسلامية، وأن هذه الشرعة انتهكت بكل نوع من أنواع الانتهاكات ولا تزال وباستمرار بشكل درامي كل يوم تقريبا والأمثال صارخة من فلسطين إلى اليمن إلى العراق إلى لبنان وسوريا وقبل ذلك فيتنام وجنوب افريقيا والكوريتين وما لا يحصى من الحروب في افريقيا بل وفي اوروبا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، والبوسنة والهرسك كمثل، قد هالني أن استمعت إلى من يدعي أن العالم بعد شرعة حقوق الإنسان هو غيره قبلها وياليته كان كذلك، إلا في القضايا التي تدان به شعوب تبحث عن حقوقها المهدورة على رأسهم الشعب الفلسطيني.
ثالثا: إذا انتقدنا إعاد افتتاح "آيا صوفيا" مسجدا، فإننا ننتقد بذلك من وجهة نظر مختلفة تماما عن الذين استندوا إلى الموضوعين السابقين، أي الحوار الإسلامي المسيحي وحقوق الإنسان، فإن كان لنا أن ننتقد فنحن ننتقد ذلك من موقع إسلامي ملتزم وليس من موقع موافق لمنطق المتعصبين أو الذين يعيشون أوهام صراع الحضارات، وفي هذا نقاط.
النقطة الأولى: سيكون إعادة افتتاح "آيا صوفيا" كمسجد خطوة في الاتجاه الصحيح إذا ترافقت مع اجراءات ضرورية للخروج من العلمانية والأتاتوركية البغيضة التي شوهت صورة تركيا وانتماء أهلها، بل شوهت حتى صورة العلمانية حيث بالغت كثيرا في الإجراءات القمعية والشكلية إلى حد كبير، وأهم نموذج على ذلك منع الأذان باللغة العربية، حتى أعاده عدنان مندريس إلى اللغة العربية، فكان جزاؤه الإعدام شنقا عام 1960 بحجج واهية، وهو الرئيس المنتخب شرعيا، فيما الذين أعدموه لا يمثلون إلا النفوذ الأمريكي.
النقطة الثانية: بالتأكيد ان تأكيد "إسلامية" الحكم التركي لا ينبغي أن تنحصر في موضوع "آيا صوفيا"، بل هنالك خطوات أكثر أهمية وأكثر تعبيرا عن إسلامية هذا الحكم، كما يفترص مؤيدوه ويصورونه كمشروع خلافة إسلامية حديثة مصغرة الأبعاد.
الأهم السعي إلى تقليص النفوذ الأميركي المتمثل بالقواعد الأأمريكية الضخمة، (وأهمها أنجيرليك) والتي انطلقت منها الطائرات الأمريكية لتدمير العراق وأفغانستان وغيرهما، فأي إسلام نرجوه تحت النفوذ الأمريكي.
النقطة الثالثة: فيما يدافع كثيرون بغير حق، عن دور تركيا في سوريا وفي ليبيا، نجزم وبكل ثقة وعمق أن ما فعله أردوغان في سوريا كان جزءا من المؤامرة الدولية على سوريا، ولم يكن بحال من الأحوال محاولة للإصلاح، فليس الذين دربوا وسلحوا في تركيا وفتحت لهم الحدود وتم إمدادهم بكل أنواع القوة... لم يكونوا بحال من الأحوال هم البديل المطلوب عن النظام السوري ولم يكونوا مؤهلين لا للعدالة ولا للوطنية ولا لأي هدف محترم.
أما الأمر في ليبيا فليس أكثر من صراع نفوذ يذكرنا بداحس والغبراء وبحرب البسوس أكثر من أي شيئ آخر.
إذن هنا مربط الفرس وهنا التحدي الحقيقي وهنا التنافس الإيماني على طريق الإسلام الحقيقي، هنا الاختبار الحقيقي للنوايا وليس مجرد إعادة افتتاح مسجد مع تقديرنا لذلك.