بسم الله الرحمن الرحيم

الامام الخميني والتجديد

بسم الله الرحمن الرحيم
صيدا: 11 شوال 1441هـ
الموافق له 3 حزيران 2020م
الامام الخميني والتجديد
لقد جدد الامام الخميني الدور السياسي للإسلام، لقد كان الجدل محتدما قبل انتصار الثورة الاسلامية في ايران حول نقاط كثيرة تتعلق بالإسلام وبدوره السياسي على وجه التحديد، وقد نلخص هذه النقاط بثلاثة او اربعة:
- هل الاسلام دين ودولة، ام انه دين فردي ليس له قانون او نظام للحكم يتميز عن النظامين الرئيسيين في العالم : الرأسمالي والشيوعي؟.
- هل الاسلام يدعونا لان نكون في احد المعسكريْن الرئيسيين في ذلك الوقت، الشرقي ام الغربي؟.
- هل الاسلام فعلا افيون الشعوب كما يقول الشيوعيون؟.
- هل يصلح الاسلام للتطبيق في القرن العشرين؟
لقد حاولت حركات اسلامية متعددة ان تجد الجواب الشافي لهذا الجدل المحتدم من خلال ممارستها السياسة او من خلال الكتابات والنظريات، ولقد باءت جميعا بالفشل ولم تستطع ان تقدم اجوبة شافية ولم تستطع ان تحتفظ بجمهورها كثيرا بعد سلسلة من التجارب الفاشلة.
ولقد قدم انتصار الثورة الاسلامية مباشرة الاجوبة على هذه التساؤلات المضنية، فاذا الاسلام مباشرة دين ودولة، وهو نظام لا يتبع اي معسكر من المعسكرْين، وهو وقود الثورة وليس افيون الشعوب، وهو صالح لوقتنا هذا كما كان صالحا في التاريخ.
ان اي كاتب منصف لا يستطيع انكار هذه الحقائق، ولا بد ان يعترف ان انتصار ثورة الامام الخميني اعطى اجابات سريعة وحاسمة على التساؤلات المطروحة، وان كان في نفس الوقت قد فتح اسئلة اخرى لم تكن مطروحة:
فلقد برزت القضية المذهبية على السطح بعد ان كانت نزيلة التاريخ لا تغادره إلا قليلا، كما برزت امور اخرى لا تقل خطورة: كيف يمكن لدولة واحدة مستجدة محاصرة ومحاربة بكل انواع الحروب المحرمة والمحظورة ان تصمد واحدا وأربعين عاما في وجه الطغيان الاميركي – الغربي – العربي، أيضا وان تحافظ على استقلاليتها الحقيقية عن النفوذ الاميركي فيما اكثر من 90 بالمئة من الانظمة في البلاد العربية والإسلامية هي صنيعة الغرب وربيبته...؟.
فلنبدأ اولا بالمذهبية:
نقول اذا استطاع الامام الخميني ان يجدد الحياة الاسلامية خاصة على الصعيد السياسي، فانه لم يستطع ان يجدد الفقه والعقيدة الإسلامية، بل انه ختم حياته بأن كتب في وصيته المشهورة داعيا الكتّاب والمفكرين والعلماء الى دراسة المذهب الامامي باعتباره الافضل بين مذاهب المسلمين، وهنا لا بد من وقفة:
لقد جدد الامام الخميني الفقه الجعفري او الامامي بالتأكيد واستطاع من خلال نظرية ولاية الفقيه ان يُخرج "الشيعة" من الانتظار السلبي الذي عطل حياتهم السياسية وجعلهم على هامش الأحداث، فوضعهم في واجهة الاحداث يحملون راية الاسلام وقضايا المسلمين بأفضل ما يمكن ان تُحمل... فلقد شكلت ولاية الفقيه بالتأكيد قوة مميزة للإمام الخميني وللقائد خامنئي من بعده فدان له ملايين الشيعة في ايران وخارجها، ومن لم ينخرط في ولاية الفقيه من الشيعة احترمها واستفاد منها وحام حولها شاعرا بالعزة والكرامة وبكثير من الحيوية التي لا توجد في مكان آخر... ولكن في نفس الوقت تحمل ولاية الفقيه ما يمكن ان يشكل حصارا لإيران وللشيعة، لان ولاية الفقيه بالشكل المطروح لا يمكن ان تشمل عالم المسلمين الذي يدين بأكثريته الساحقة لمذهب اهل السنة والجماعة، فكيف يمكن الخروج من هذه الازمة؟.
الذي نراه ان الامام الخميني رحمه الله حاول ان يخرج من هذه المعضلة بأن طرح شعارات سياسية كبيرة، كان لها ان توحد عالم المسلمين وعلى رأسها: (اميركا الشيطان الأكبر)، يا ايها المسلمون اتحدوا، اسرائيل غدة سرطانية ينبغي ان تزول من الوجود... لو ان كل واحد من المسلمين القى دلوا على اسرائيل لجرفها السيول.
ولقد دعّم هذه الشعارات بكل ما يمكن من انشاء المؤسسات وتخصيص ميزانيات وازنة، وانشاء جيل بل اجيال تؤمن بهذه الشعارات وتسعى لتحقيقها معتبرة اياها التزاما شرعيا واجب التنفيذ.
ولكن كيف يمكن الانتقال الى التنفيذ وعالم المسلمين لا يملك قراره، خاصة الدول الكبيرة التي عمل الاستعمار منذ القرن التاسع عشر على الاستيلاء على قرارها وثرواتها وسائر مقدراتها... ومن لم يستطع الاستعمار أن يسيطر عليه، استطاع لاحقا أ "يروضه" من خلال إمداد إسرائيل بالسلاح والدعم الكامل، فكانت هزيمة 1967 التي أركعت مصر في النهاية والحروب الأخرى والفتن الكبيرة والصغيرة التي جعلت المقاومة الفلسطينية تستسلم وتدخل في اتفاق أوسلو الفاشل، الخ... بقيت فقط سوريا خارج هذه المعادلة حيث لم يستطع الحصار ولا الحروب ولا الضيق الاقتصادي أن يجعل سوريا توقع على استسلام مماثل لكامب ديفيد أو أوسلو.

من سيتجاوب مع شعارات الإمام الخميني؟ العالم الإسلامي سلب قراره ولا يمكن أن يتجاوب مع دعوات مواجهة الطغيان الأمريكي، فيما ان شرايين حياتها تمسكها وتتحكم بها كيفما تشاء.
لقد خسرنا فرصة لاحت وكأنها ممكنة في فترة من الفترات، وهي أن نتوحد تحت شعارات سياسية كان من المفترض أن توحدنا لأنها تختزن المصلحة المحقةللأمة الإسلامية وللأمة العربية على حد سواء.
وعلى عكس ما كان يفترض فإذا بكثير من الدول العربية تشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية بل وفي سائر الحروب التي شنت على إيران على أنواعها.
وكان من المفترض أن تخرق هذا الحصار الآثم على الجمهورية الإسلامية الحركة الإسلامية، الواسعة الانتشار، العميقة الجذور، عنينا حركة الإخوان المسلمين، لكن تبين بالتجربة أنها تعاني كما الدول الإسلامية من انحراف في الفهم السياسي، كما أن قرارها مرتبط بشكل مباشر مع دول هي جزء من السياسة الامريكية في المنطقة.
تحت هذا الغطاء، شنت الحرب المذهبية على تحت هذا الغطاء، شنت الحرب المذهبية على يران وعلى الإمام الخميني: نقول هنا هل الذين شنوا الحرب المذهبية على إيران كانوا فعلا يريدون إصلاح دين المسلمين وجمع الأمة على مذهب واحد، أو على الأقل ردم الهوة الكبيرة والتقريب بين الآراء، لكانوا سلكوا سلوكا آخر ولكنهم قاموا بهذه الحرب المذهبية لصالح الغرب وليس لصالح المصلحة الإسلامية.
من هنا، وبعد تجربتنا الطويلة، نقول: كان يمكن للمجتهدين في إيران أن يتجاوبوا مع دعوات الوحدة والتقريب لو أنها كانت صادقة، ولكن وجد الإمام الخميني نفسه ومن معه وحيدين، ولم يجدوا محاورا جادا أو جهات صادقة تسعى للاستفادة من التجربة الإيرانية، أصبحت إيران دون محاور جدي مما زاد في الأزمة المذهبية بعد فشل تجربة توحيد الموقف السياسي...
ومع ذلك، فإن ذلك لا يعفي الجمهورية الاسلامية من خطوات حقيقية يفترض أن تتخذ لاستيعاب بعض جمهور المسلمين الحريصين على التواصل مع إيران وتجربتها الناجحة.
الثبات: ورغم ذلك، ورغم فشل توحيد الأمة تحت شعار سياسي واحد، ورغمم تصاعد الأزمة المذهبية، ظلت إيران متمسكة بشعاراتها وعلى رأسها حتمية زوال اسرائيل، وأمدت المقاومة بكل أنواع الدعم، وكادت تجترح ما يشبه المعجزات بإيصال السلاح إلى غزة وسائر فلسطين، فضلا عن دعم المقاومة في لبنان وتحقق على يد هذه المقاومة ما عجزت عنه الجيوش والدول مجتمعة، ومن المؤكد أن هذه الانجازات ستستمر وستتصاعد بإن الله تعالى.
المستقبل: ماذا بعد هذا المخاض العسير؟...
سؤال ليس سهلا: لا يبدو حتى هذه اللحظة أن العالم الإسلامي مؤهل لأن يقوم من كبوته وان ينتفض على التخلف والتبعية للغرب، ولا يبدو أنه في وارد عملية نقد ذاتي تبين أماكن الخلل والضعف، كما أن إيران، والحمد لله، ، تزداد قوة وثباتا وتمسكا بالمبادئ التي أعلنها الإمام الخميني، فهل من أمل في تغيير ما؟
الذي نراه، والله أعلم، أن الأمور ستبقى على ما هي عليه، وسيزداد محور المقاومة قوة، وسيزداد أخصامه ضعفا وتشرذما وتبعية... ولا شك أن الله الذي هي للامام أن يجدد الحياة السياسية للمسلمين سيهيء الظروف المؤاتية للخطوة التالية: ألا وهي زوال اسرائيل.
ولسنا مضطرين هنا لأن ندخل في تحليلات وتوقعات، ولكن استنادا إلى المفاجآت التي حصلت في السنوات الماضية وعلى رأسها انسحاب اسرائيل من لبنان عام 2000 دون قيد أو شرط، وهزيمة العدوان عام 2006، وهزيمة المشروع الأمريكي الصهيوني التكفيري في سوريا، الخ...
نقول أيضا، نحن نتوقع مفاجآت تغير الوقائع...وتجعلنا مهيئين للخطوة النهائية... وكائنا من كان الذي سيحمل الراية لدخول فلسطين سيكون نتيجة طبيعية للتجديد الذي تجددت به الحياة السياسية الإسلامية بفضل الله من خلال دعوة الإمام الخميني ورؤيته الواضحة وثباته على المبدأ وصلابته في وجه الأعداء، وهذا ينطبق على أبطال محور المقاومة جميعا.
وان غدا لناظره قريب...