بسم الله الرحمن الرحيم

الجنرال الذي هزم سوء الظن فينا

بسم الله الرحمن الرحيم
الجنرال الذي هزم سوء الظن فينا
استطاعت جريدة الاخبار بحرفيتها المميزة وبالانتماء الوطني العريق الذي لم تبدله التحولات التاريخية التي عصفت بالوطن وبالمنطقة، استطاعت ان تأخذ من "الجنرال" ما لم تأخذه وسيلة اعلام أخرى، او بالأحرى، قرأنا في هاتين المقابلتين ما لم نقرأه في مكان آخر، سواء كان ذلك في السطور او بين السطور الانطباع الاول والعنوان الذي اخترته كردة فعل على ما قرأت، الجنرال الذي هزمنا، لماذا وكيف؟...
لقد اعتلى الجنرال عون المسرح السياسي اللبناني في لحظات حرجة، وشن في وقت واحد حربين مختلفتين على جبهتين منفصلتين، حرب ضد الوجود السوري الذي كان يراه احتلالا، ولم نكن نشاطره هذا الرأي، والموضوع يحتاج الى تفصيل، والحرب الثانية ضد ميليشيا القوات اللبنانية التي لم نكن نظن لوهلة ان المجتمع المسيحي بات يكرهها الى هذا الحد، وانه سيتعاطف مع العماد ضدها بالشكل الذي اصبح واضحا فيما بعد، فيما لا يخفى على أحد، كما لم نكن نظن انه قادر على هزيمتها... فضلا عن الثمن الباهظ الذي كانت تحتاجه كلتا المعركتين، (ثمن بشري ومدني وعمراني لا يخفى على احد)، من كان قادرا على تحمل هذا الثمن امام الله وأمام التاريخ؟.
عند اعتلاء الجنرال المسرح السياسي العسكري في مشهد معقد متداخل، كنا نظن بالتأكيد انه كالآخرين طامح للزعامة بأي ثمن، يريد الشهرة ومفاعليها... لم تكن الحرب اللبنانية بقدراتها ومفاجآتها المؤلمة تسمح لنا بحسن الظن، الجميع احبطنا، مفاجآت جعلت حسن الظن بالزعماء والقادة ضربا من السذاجة المفرطة، وزاد في سوء الظن قساوة القصف على بيروت وبعض المناطق... ومعارك طاحنة ثم ما هي النتيجة؟ ومن يضمنها؟ جولة من ضمن جولات ودمار على دمار وضحايا في لوائح متلاحقة لا تنتهي ... الخ.
وجاءت لحظة 13 تشرين الاول عام 1990، وظن الجميع ان الموضوع قد انتهى وان المغامرة الفاشلة التي قادها هذا الجنرال المغامر وصلت الى نهايتها وانه سيكتفي بالعيش بأمان في فرنسا مزهوا بثقافته الفرنسية، سائحا سياسيا وثقافيا بامتياز ... لماذا يفكر بالوطن وبآلامه، وكان غضبه الذي يظهر بين الفينة والأخرى خلال المقابلات التلفزيونية خلال وجوده في فرنسا زادتنا قناعة ان عودته الى لبنان ليست واردة وان التاراتاتا في نفق نهر الكلب ليست كافية لإعادته زعيما فاعلا.. ولكن الساعة اتت... وجاء 7 ايار 2005 وعاد الجنرال وأغضب الصحافيين ولم يكن يشعرنا انه قادر على ضبط أعصابه، وان هذا الجمهور العريض الذي استقبله انما حضر تعاطفا له: الحمد لله على السلامة وكفى، ولكن تاريخا آخر كان ينتظرنا انه 6 شباط 2006 كنيسة مارمخايل، هذا الجنرال الذي يقاتل المحتل السوري بشراسة ويحارب الميلشيات، يعقد تفاهما تاريخيا مع المقاومة؟ انه لشيء عجيب؟ هل هذا التفاهم قادر على محو كل السيئات التي تراكمت في اذهاننا عن هذا الرجل المميز؟ انه لشيء عجيب.
نعم، لان المقاومة ليست حدثا عابرا في تاريخ الوطن وفي تاريخ الأمة، مقاومة قلبت صفحة الهزائم لتفتح صفحة الانتصارات ثم عدوان تموز كان بالمرصاد، كان الجنرال بكل بساطة قادرا على ان يتنصل من هذا التفاهم، كان باستطاعته ان يقول: لم يكن في حسباننا مثل هذا الامر... هذا التفاهم لا يشمل ادخال لبنان في حرب مدمرة.
كان باستطاعته ان يقول: استخدمتم هذا التفاهم كغطاء لمغامرات غير مدروسة... الخ، ولكنه رجل الكلمة، ظل عند كلمته، كلمة الشرف هي التي تميزه عن غيره، وصمد وصمدت معه المقاومة والجنوب وخرج لبنان منتصرا وخرج العدو مهزوما مذلولا، ولم تستطع (غوندي) ان تأتي مرة أخرى: لم تشرق شمس الشرق الاوسط الجديد... ثم قاد معركة الاصلاح بنزاهة، ووقف يتطلع الى الوطن، بل الى الامة من منظار المشرقي الذي يعي اين جذوره ويعرف اين مآله.. يعرف ان المسيحيين جزء لا يتجزأ من الشرق العربي الإسلامي، ويعلم ان التكفيريين امرٌ عارضٌ مر مثله في التاريخ.
كل الامل في رجال مثله صادقون، مستقيمون، ظاهرهم كباطنهم، لا يعرفون الخبث ولا النفاق، ان كانت سيئاتهم قابلة للعد:
وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ
اخصامه يسلطون الضوء على اخطائه ولا يرون له حسنة، ونحن نرى اخطاءه في حجمها الطبيعي ونرى حسناته في حجمها الطبيعي ، فشتان بين هذه وتلك.
ايها الجنرال الصادق المستقيم، انت اليوم مظلوم، يظلمك بعض المسيحيين، اذ يجعلون "عملاء متقاعدين" اندادا لك، ويظلمك بعض المسلمين يريدون ان يردوك الى الوراء وأنت تأبى إلا ان تسير الى الأمام.. يظلمك الشرق والغرب والبعيد والقريب لا يريدون للبنان رئيسا مثلك، يريدون مثلهم، وستهزمهم ان شاء الله.
لن تنفعك شهادتي، بل قد تضرك بسبب المشهد المعقد، ولكن تنفعني لأنها شهادة حق ينبغي ان تقال.
بين لحظة غضبت فيها على احد المصلين في المسجد العمري الكبير في صيدا عام 1989 ونحن نقف لصلاة المغرب، وقد (تجرأ) ان يمدحه خلال تلك الفترة، وبين غضبي على فتى من اقربائي من ضواحي طرابلس كان قد نام مع الجمهور العريض في قصر "الشعب" وفتن بتلك المظاهرات وقتها، رفضت ان يكون في العائلة وقتها من يؤيد هذا الجنرال... بين تلك اللحظات وبين اليوم اقول ايها الجنرال الصادق هزمت سوء الظن فينا، هزمت الاحباط، حطمت الصورة النمضية الفاسدة عن الزعماء، انت لم تهزمنا، انت هزمت الهزيمة وصرعت الاحباط في جانب رئيسي من هذا الوطن العزيز وآخر همي ماذا يقول الآخرون يكفي انك لست مثلهم.